Selasa, 17 November 2015

علم الأصوات



علم الأصوات
الدرس الثالث
أهمية علم الأصوات في المجالين التطبيقي والنظري
مدخل:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرحباً بك – أخي العزيز – في هذه السلسلة الثالثة من الدروس في مادة "علم الأصوات"، حيث نتناول فيها : أهمية علم الأصوات في المجالين التطبيقي والنظري، موضحين العلاقة بين علم الأصوات وعلم اللغة، وما يترتب على دراسة الأصوات اللغوية في العملية التعليمية، مع بيان أهمية التعريف بأصوات العربية.

ثمرات الدرس:

في نهاية هذا الدرس سيتاح لك – بإذن الله تعالى – أن تعرف:
1-: العلاقة بين علم الأصوات وعلم اللغة، من خلال آراء العلماء في نوعية تلك العلاقة.
2- : الجوانب التي تظهر فيها أهمية دراسة الأصوات اللغوية، وما يترتب على تلك الدراسة من معارف مفيدة.
3- : توضيح أهمية التعريف بأصوات العربية، وحل مشكلة وضع الأبجديات الجديدة.
4-: بيان أهمية علم الأصوات في الجانب النظري، وإبراز نوع العلاقة بين علم الأصوات والنحو.



عناصر الدرس:
1/2- العلاقة بين علم الأصوات وعلم اللغة.
2/2- أهمية دراسة الأصوات اللغوية في الأمثلة الآتية والأمور المترتبة على دراسة الأصوات اللغوية في العملية التعليمية.
3/2- بيان أهمية التعريف بأصوات العربية، ومشكلة وضع الأبجديات الجديدة.
4/2- أهمية علم الأصوات في الجانب النظري، ونوع العلاقة بين علم الأصوات والنحو

1/2
·       أهمية علم الأصوات في المجال التطبيقي
العلاقة بين علم الأصوات وعلم اللغة
      هناك أربعة اتجاهات رئيسية تتعلق بموضوع العلاقة بين علم الأصوات وعلم اللغة:
      أولًا: الفونيتيك فرع مستقل من علم اللغة، وليس جزءًا منه، وإن كان بينهما ارتباط واتصال، يتمثل في حاجة علم اللغة للفونيتيك، ويأخذ بهذا الاتجاه فريقان من الدارسين: فريق يمثله القائلون بالتفريق بين الكلام المنطوق واللغة.أما الفريق الثاني، وهم المهتمين بالفونيتيك، وبتعميق الدراسة فيه وفي فروعه.
     ثانيًا: بالرغم من أن "دي سوسير" هو صاحب فكرة التفريق بين الكلام واللغة، فإنه في هذه النقطة نحى منحًا آخر، فالفونيتيك عنده جزءٌ لا يتجزأ من علم اللغة، على حين يرى أن الفنولوجيا نظام من البحث ثانوي بالنسبة لهذا العلم، وهو في الوقت نفسه خاص بالكلام، وليس خاصًا باللغة.
     ثالثًا: الفونيتيك فرع من فروع علم اللغة، ولكنه فرع جانبي أو هامشي، أما الفنولوجيا فهو فرع أساسي أو مركزي من هذا العلم، ومن أنصار هذا الرأي "هوكيت"الأمريكي وعدد من تلاميذ "فيرث" الإنجليزي.
     رابعًا: الفونيتيك والفنولوجيا ونظيره علم الفونيمات كلاهما جزء لا يتجزأ من علم اللغة، وهذا ما ذهب إليه "فيرث" وكثيرون من تلامذته، وكثير من رواد المدرسة الأمريكية، ويمكن أن نعد "بلونفيلد" واحدًا من أنصار هذا الرأي، بل إنه يرى أن العلاقة بين علم الأصوات بفرعيه، وبين علم اللغة أقوى بكثير مما قرره هؤلاء.
وهناك مجموعة من الباحثين ومن بينهم "هليداي" لهم رأي آخر يذهبون فيه إلى أن اللغة ذات ثلاثة جوانب هي: الأصوات في صورتها المادية، ثم الصيغة أو التركيب، وسياق الحال، وهو ربط اللغة بالظروف والأحداث الخارجية في البيئة اللغوية. هذه الجوانب تنضم كلها في إطار عام يطلق عليه "علوم اللغة". ويخصص لدراسة المادة الصوتية الفوناتيك، ولدراسة الجانبين الآخرين علم اللغة. وبهذا يتضح أن الفونيتيك ليس جزءًا من علم اللغة، وإنما هو قسيمه .
أما الفنولوجيا فمستوى خاص من البحث اللغوي في الموقع الوسط بين الفونيتيك وعلم اللغة، أو هو بمثابة الرابطة التي تربط بينهما، فهو الذي يقوم بوضع أصوات اللغة في أنماط تستغل في بناء التركيب اللغوي.
ومن المقرر أن الفونيتيك والفنولوجيا ليس إلا مرحلتين أو خطوتين من خطوات البحث اللغوي، وكلا العلمين مرتبط بصاحبه، ومعتمد عليه، فمادتهما واحدة، وهي أصوات اللغة، وهدفهما واحد وهو دراسة هذه الأصوات، والفرق بينهما إنما هو في المنهج والطريق ومن ثم لا يجوز الفصل بينهما أو عزل أحدهما عن الآخر، وإذا كان هناك من فصل بين الفونيتيك والفنولوجيا فإنما يجوز ذلك في حالتين:
الحالة الأولى: عند العرض الخاص لمناهج البحث اللغوي أو الصوتي بصفة خاصة، وتحديد الإطار العام لعمل كل من الفونيتيك والفنولوجيا.
والحالة الثانية: عند التحليل المرحلي للأصوات، فقد تبدأ بتحليل فونيتيكي ثم تعقبه بآخر فنولوجي على أن الفونيتيكي الصرف ليس هدفًا في ذاته، وإنما هو خطوة ممهدة لغيرها من الخطوات.
فالكلام الإنساني يتألف من سلسلة من الأصوات الصادرة طواعية واختيارًا عن الإنسان في الموقف اللغوي المعين، والإشارة إلى الموقف اللغوي هنا، تعني أن هناك في الصورة شخصًا أو أشخاصًا آخرين يستقبلون هذه الأصوات التي تربطهم بالمتكلم ربطًا اجتماعيًّا من شأنه أن يؤدي إلى التعاون،وتصريف شئون الحياة، ومعنى ذلك أن اللغة لا يتحقق وجودها دون حضور متكلم وسامع موجودين معًا في مكان واحد، وزمان واحد، أو بعبارة "جاردنر" الكلام لا يتحقق إلا بأربعة جوانب: المتكلم، والسامع، والكلمات، والشيء المتحدث عنه.
والأصوات اللغوية معقدة إلى أقصى حد، فهي ليست مجرد ضوضاء يحدثها المتكلم في الهواء، وإنما هي أصوات ذات جوانب متعددة وخصائص متباينة، ودراستها دراسة لغوية تقتضي أن نبحثها على مستويات مختلفة بادئين بدراسة خصائصها أو جانبها الصوتي بالإضافة إلى مميزاتها الصرفية والنحوية والدلالية وغيرها.
أما ذلك الفرع من العلوم الذي يدرس الجانب الأول المشار إليه سابقًا فهو علم الأصوات، وهو علم ليس بالجديد في الدراسات اللغوية فهو علم قديم قد عرفته العرب والهنود والإغريق والرومان، وأسهم كل منهم  في هذه الدراسات الصوتية.
على أن الدراسات الصوتية بالرغم من اهتمام الأقدمين بها لم تلق العناية اللائقة بها إلا في أواخر القرن 19 أو قبل ذلك بقليل، وربما يرجع إهمالها في العصور الوسطى من الزمان إلى نوع من الكسل الذهني الذي يصيب الناس من وقت إلى آخر، أو بسبب الإحجام عن الخوض في دقائق الدراسات الصوتية وتفاصيلها بصورة تعادل أو تكاد نمط البحث في الصرف والنحو مثلًا؛ لكون الاعتقاد بأنه من السهل تعلم اللغة وإتقانها دون الحاجة إلى معرفة أصواتها معرفة جيدة، على عكس الحال في النحو والصرف اللذين لا تتم معرفة أسرار اللغة إلا بدراستهما، وحقيقة الأمر أن هذا وهم واعتقاد خاطئ يدل على جهل بحقائق الأمور، فالاختلاف في النطق كالاختلاف في قواعد النحو منشأه اختلاف البيئة الاجتماعية والخواص الفردية، فإن عد الاختلاف في قواعد النحو خروجًا على المعيار السليم والمقياس الصحيح، حكم بالمثل على الاختلاف في النطق، ومن هنا وجبت دراسة الأصوات وجوب دراسة النحو والصرف؛ إذ السيطرة على اللغة لن تتم بدون دراسة أصواتها، على أنه من الجائز أن ينسب هذا الإهمال وذلك الإحجام عن تقصي مسائل الأصوات ومشكلاته إلى انعدام وسائل الدراسة الدقيقة لدى هؤلاء العلماء آنذاك، فالدارسون في هذه العصور شأنهم في ذلك شأن أسلافهم من القدامى لم تكن لديهم من وسائل البحث الصوتي، إلا الملاحظة الذاتية، ومن هنا جاءت نتائجهم متشابهة أو متقاربة ولم يستطيعوا أن يأتوا بجديد يذكر، وكان هذا بالطبع داعيًا لتراخيهم في الدراسة والاكتفاء بما أتى به الأقدمون.
أما في العصور الحديثة، فقد هيأت الظروف للدارسين فرصًا أفضل من ذي قبل، ووضعت في أيديهم أنماطًا دقيقة من وسائل البحث في الأصوات، وهي وسائل لم يعرفها السابقون، لقد أضحت الدراسة الصوتية الحديثة تستعين بفروع العلم الأخرى كوظائف الأعضاء والتشريح والفيزياء وغيرها، وأصبحت تخضع للتجارب المعملية والتطبيقات العملية المختلفة، هذا إلى جانب الوسيلة القديمة وهي الملاحظة الذاتية، وقد كان هذا كله بالطبع دافعًا قويًّا إلى الدخول في هذا الميدان من جديد وإلى السير فيه سيرًا حثيثًا موفقًا حتى غدت الدراسات الصوتية تضارع في دقتها شمولها غيرها من الدراسات اللغوية، بل تفوقها وتمتاز عليها بخاصتها العلمية الموضوعية التي اكتسبتها من التجارب المعملية والآلية تلك التجارب التي لا يعرف الصرف والنحو إليها ما عرفه علم الأصوات.
كل هذه الاحتمالات التي قدمناها، لا شك أنها تصدق على الدراسات الصوتية عند العرب في تلك العصور الطويلة التي تلت فترات النهضة الفكرية، والازدهار العلمي بالبصرة والكوفة وبغداد، وليس من العسير أن نضيف سببًا آخر أدى إلى ركود البحث في الأصوات على مستوى شامل واسع منذ أيام الرعيل الأول من علماء العربية حتى اليوم، ذلك أن الجهود الجبارة التي بذلها هؤلاء العلماء الأوائل في دراسة الأصوات لم تجذب إليها إلا نفرًا قليلًا من الدارسين، وبخاصة أولئك الذين كانوا يشتغلون بالقراءات القرآنية، وهم الذين حملوا عبء هذه الدراسات وتولوا رعايتها من بعد، وتابعوا البحث فيها، وإن كان ذلك بطريقة خاصة ومنهج معين.
وهكذا انتقلت البحوث الصوتية من الميدان اللغوي الدقيق، إلى ميدان البحث في مناهج الأداء القرآني، وظلت تتابع سيرها عبر الزمان في هذا الميدان حتى يومنا هذا، ولم ينتفع بها إلا عدد قليل من الباحثين في علوم اللغة كبعض علماء البلاغة، وبعض النابهين من علماء الصرف والنحو المتأخرين.
كل هذا كان بسبب الوهم الفاسد بأن الدراسات الصوتية إنما هي من اختصاص علماء القراءات والتجويد، وأنها بمثابة علم خاص بالأداء القرآني، وأنه لا ضير إذن على علماء اللغة إذا لم يتعرضوا لها، ولم يعيروها التفاتًا، وقد أدى هذا بدوره إلى هجر الدارسين المتأخرين لهذا العلم، اللهم إلا في إشارات يسيرة متناثرة هنا وهناك في بحوثهم ومناقشتهم اللغوية المختلفة، وقد نسي هؤلاء أو تناسوا أن علم الأصوات لا يخدم القرآن الكريم وحده، وإنما يخدم كل أساليب الكلام على كل المستويات اللغوية، بل إننا يمكننا القول: إن هذا العلم حين يخدم كتاب الله يقتضينا أن نعنى به أشد عناية، وأن نتعمق في أصوله ودقائقه، وأن نوسع في ميادينه بحيث تشمل كل العلوم اللسانية حتى تظل عربيتنا سليمة صحيحة، إذ في صحتها صحة أداء القرآن وسلامته، وإنه لمن العجيب أن يلقى الصرف والنحو والبلاغة وغيرها عناية فائقة من العلماء المتأخرين، حتى دخلوا في التفصيلات والتعريفات العميقة على حين لم يسعفهم ذكاؤهم فيرشدهم إلى ضرورة بذل مثل هذه العناية أو ما دونها بدراسة الأصوات.
ومهما يكن من أمر فهناك علماء كانت لهم إسهامات لابأس بها في هذا العلم، فمن علماء البلاغة: السكاكي، وابن سنان الخفاجي وغيرهما، وقد عرض كل واحد من هؤلاء للأصوات بصورة أو بأخرى كما جاء في (مقدمة مفتاح العلوم) وكتاب (سر الفصاحة) لابن سنان، ومن علماء الصرف أيضًا والنحو المتأخرين يمكن الإشارة لابن يعيش في شرحه على المفصل للزمخشري.
النشاط:
ضع علامة P أمام العبارة الصحيحة، وعلامة × أمام العبارة الخاطئة.
    أ- الفونيتيك فرع مستقل من علم اللغة.
    ب- اللغة يتحقق وجودها دون حضور متكلم وسامع،
    ج- الفونيتيك والفنولوجيا ليس إلا مرحلتين أو خطوتين من خطوات البحث اللغوي.
    د- علماء النحو العرب كان لهم الفضل في العناية بعلم الأصوات، في العصور المتأخرة

الإجابة النموذجية:
أ- P
ب- ×
ج- P
د- ×



2/2
أهمية دراسة الأصوات اللغوية في الأمثلة الآتية
والأمور المترتبة على دراسة الأصوات اللغوية في العملية التعليمية

تظهر أهمية علم الأصوات في المجال التطبيقي من خلال:
تعليم اللغة القومية: فالدراسات الصوتية وسيلة من وسائل تعلم اللغة القومية تعلمًا سليمًا، وسبيل من سبل رقيها والمحافظة عليها، فالمتعلمون وبخاصة في المراحل الأولى معرضون للخطأ في نطق هذه اللغة، والانحراف عن الطريقة الصحيحة في أدائها، ذلك لأن هؤلاء المتعلمين يأتون من مناطق مختلفة وينتمون إلى بيئات اجتماعية غير متجانسة، ولكل واحد من هؤلاء عاداته النطقية التي يؤدي بها لهجته المحلية أو لهجته الخاصة.
وهذه العادات لا بد أن يظهر أثرها بصورة أو بأخرى في نطق اللغة القومية التي تسمى في الاصطلاح اللغوي باللغة المشتركة، ومن أمثلتها اللغة الفصحى في المجتمع العربي، فإذا ما أرشد هؤلاء المتعلمون إلى أصوات هذه اللغة، سهل عليهم إجادة نطقها، وحسن أدائها، واستطاعوا بالتدريج أن يتخلصوا من العادات النطقية المحلية، وهكذا نستطيع أن نظفر بأمرين مهمين:
أولهما: التقريب بين عادة النطق المحلية المختلفة، وتذويب الفروق بينها بقدر الطاقة.
ثانيهما: تخليص اللغة المشتركة من الآثار الصوتية ذات الطابع المحلي الضيق، وتكوين لغة قومية مشتركة تصلح للتفاهم العام بين أبناء الأمة الواحدة.
الأمور المترتبة على دراسة الأصوات اللغوية في العملية التعليمية
أولًا: نجحت بعض دول الغرب في هذا الشأن إلى حد ملحوظ، وكان للإنجليز دور مشكور نحو لغتهم حيث عمدوا إلى الحد من سيطرة اللهجات، بنشر الثقافة والتعليم على أوسع نطاق، ومن ثم توصلوا إلى تكوين لغة مشتركة قادتهم في النهاية إلى نتيجتين واضحتين:
الأولى: تمكينهم من التعليم بلغة قومية موحدة بالرغم من تعدد البيئات الجغرافية والاجتماعية لبلادهم.
الثانية : تسهيل مهمة تعليم اللغة الإنجليزية للأجانب ولأبناء اللغة.
ثانيا: لقد ساعد هذا التوحيد اللغوي على نشر لغتهم في جميع أنحاء العالم، وكان من أهم وسائله الاهتمام الكبير بدراسة أصوات هذه اللغة، وتعليمه للمواطنين والأجانب على السواء، ولا يظنن ظانّ أن هناك ادعاء بإمكانية القضاء على العادات النطقية المحلية قضاءً تامًا بتعليم الأصوات، فهذا أمر مستحيل، وإنما يمكننا تضييق الخلاف.
إن العادات النطقية في اللهجات العربية المحلية تختلف عنها في اللغة الفصحى، ويتجلى ذلك في صور منها:
الصورة الأولى: الاختلاف في مخارج الأصوات أو في صفاتها أو فيهما معًا، ويتضح ذلك مثلًا بالفرق بين القاف العامية التي تنطق في بعض المناطق العربية قريبة من الكاف، بينما القاف الفصيحة لهوية مهموسة.
الصورة الثانية: الاختلاف في الأصوات مع المحافظة على المخارج،كالميل إلى ترقيق أصوات التفخيم أو أصوات الإطباق.
الصورة الثالثة: إسقاط بعض الأصوات نهائيًّا والاستعاضة عنها بأصوات أخرى وذلك كإسقاط الثاء والاستغناء عنها بالتاء كما في نحو "تعلب" في "ثعلب" .
الصورة الرابعة: الاختلاف في مخرج بعض الأصوات مع الاحتفاظ بالصفات، ويلاحظ ذلك مثلًا في الظاء العامية التي تنطق من مخرج الزاي تقريبًا، ولكن مع بقاء الخاصة المميزة للظاء الفصيحة وهي التفخيم، وهذه الظاء الأخيرة مخرجها من بين الأسنان.
الصورة الخامسة: كذلك هناك فروق واضحة في الحركات ونظامها، ففي العاميات اليوم حركتان لا وجود لهما في الفصحى المعاصرة، وهاتان الحركتان تظهران في نحو يوم وبيت العاميتين في يوم وبيت، وهما ما سماهما الدكتور/ تمام حسان "الرفعة والخفضة".
الصورة السادسة: تتعلق بالمقطع الصوتي، حيث نجد خلافات بين العاميات والفصحى، فالنظام المقطعي فيهما مختلف إلى حد ملحوظ، فنقول في العامية: "فِهمت" فهذه الكلمة مكونة في مقطعين هما "في" و"همت" على حين أن ما يقابل هذه الكلمة في الفصحى هي "فهمتُ" مكونة من ثلاثة مقاطع، وهي: "الفاء" و"هم" و"تُ"، ولا يخفى أن الاختلاف في التركيب المقطعي يعني شيئين هما: الاختلاف في توزيع الحركات، والاختلاف في نظام النبر.
الصورة السابعة: الاختلاف في التنغيم وموسيقى الأداء الكلامي، فالصورة الكلامية لها نماذج تنغيمية موسيقية مختلفة في الأسلوبين العامي والفصيح. إننا لا ننكر اتفاق بعض صور الأساليب المتقابلة في إطار الموسيقى العام، ولكن الخلافات موجودة في الدفقات الجزئية التي تملأ جنبات هذا الإطار.
ثالثًا: أما عن تعلم اللغات الأجنبية فتظهر أهمية علم الأصوات بصورة عملية واضحة في تعلمها وتعليمها، فمن المعروف أن لكل بيئة لغوية عاداتها النطقية الخاصة بها، فإذا أقدم أصحاب لغة ما على تعلم لغة أخرى كانوا عرضة لأن يخطئوا في أصوات هذه اللغة الأخيرة، وأن يخلطوا بين أصواتها وأصوات لغتهم بسبب تأثرهم بعاداتهم النطقية.
النشاط:
أجب بـ(نعم) أو بـ(لا) عما يأتي:
أ- هل تظهر أهمية علم الأصوات في المجال التطبيقي من خلال تعليم اللغة القومية ؟   ب- هل علم الأصوات يفيد في تذويب الفروق بين عادة النطق المحلية المختلفة ؟              ج- هل فشل الإنجليز في تعليم لغتهم؟                                                    د- هل العادات النطقية في اللهجات العربية مطابقة للفصحى ؟

الإجابة النموذجية:
أ- نعم.
ب- نعم.
ج- لا.
د- لا


3/2
أهمية علم الأصوات في المجال النظري
بيان أهمية التعريف بأصوات العربية و مشكلة وضع الأبجديات الجديدة
1- بيان أهمية التعريف بأصوات العربية
تحدثنا في المحاضرة السابقة عن أهمية علم الأصوات في الإطار التطبيقي، وقبل أن ننتقل إلى الإطار النظري في أهمية علم الأصوات نريد أن نوضح بعض الأمور، فالاهتمام بتعريف أصوات العربية لمن يرغب في تعليمها أصبح أمرًا ضروريًا؛ إذ لم تعد هذه اللغة لغة محلية محصورة في حدود جغرافية ضيقة. لقد تجاوزت العربية حدودنا التقليدية، وصادفت إقبالًا منقطع النظير من الأمم الإفريقية والأسيوية، وهناك في أوربا وأمريكا، وقد شهدت جامعاتنا إقبالا متزايدا من الوافدين لدراسة العربية، وللأسف فليست هناك خطة واضحة، أو منهج محدد في هذا الشأن، وإنما تركت الأمور فوضى تسير في تخبط وتخضع للاجتهاد الفردي القائم على وجهات النظر الشخصية.
وإذا جاز التسامح في هذا، فلا يجوز بحالٍ أن تسير هذه الدراسة بدون وضع منهج علمي لدراسة أصوات العربية لهؤلاء الوافدين منذ البداية حتى نهاية المطاف، والأمر يحتاج إلى جهود موحدة منسقة، لوضع منهج محدد لطابع تعليمي في أصوات العربية تقوم به أية جهة رسمية لتقديمه إلى الطلاب الأجانب وتدريبهم على أيدي خبراء متخصصين في علم الأصوات بعامة وأصوات العربية بخاصة.
أما أن العربية بها صعوبات صوتية تقابل الأجانب عند تعلمهم لغتنا فهو أمر ثابت محقق؛ فأصوات الحلق وأقصى الحنك كلها أو جلها تمثل مشكلة صوتية أمام الأجانب، فالعين مثلًا ينطقها البعض كما لو كانت همزة أو هاء، والحاء تنطق خاء أحيانًا، يضاف إلى هذه الصعوبات في نطق الأصوات المفردة، صعوبات أخرى تتعلق بنطق الكلام المتصل، لِما له سمات وخواص صوتية معينة لا يقوى الأجنبي على معرفتها وإجادتها إلا بالتعلم والمران على يد خبير متخصص.
ودراسة الأصوات اللغوية لها أهمية كبرى في وضع الأبجديات الجديدة للغات التي لم تكتب بعد، وفي إصلاح تلك الأبجديات التي تقصر عن الوفاء بأغراضها. أما بالنسبة لوضع الأبجديات الجديدة فقد أصبح أمرًا ملحًا بالنسبة لكثير من اللغات في العالم بخاصة في الأقطار الإفريقية، وهناك في بعض هذه البلاد مشكلات ثقافية قومية تتعلق بهذا الموضوع، ففريق يرى وجوب مراعاة الأصل القومي للغة عند وضع أبجديتها، وثمة فريق آخر من رأيه اتخاذ الأبجدية اللاتينية أساسًا للأبجديات الجديدة بحجة أن باللاتينية من الرموز ما يفي بحاجات هذه اللغات، وبدعوى أن الرموز اللاتينية موجودة بالفعل، فالالتجاء إليها أسهل وأيسر من محاولة ابتكار أبجديات جديدة، وهذا الرأي الثاني ينطوي على خطر كبير؛ إذ هو يربط هذه اللغات القومية بلغات أجنبية من ناحية الشكل على الأقل، ولربما يجر هذا الوضع إلى ربط ثقافات هؤلاء القوم بثقافات أجنبية لا تبغي إلا السيادة والسيطرة على ثقافات المواطنين الإفريقيين، والأبجدية ليست في واقع الأمر مسألة شكلية بالمعنى المعروف، فهي وإن كانت صورة خارجية إلا أنها مأخوذة ومستمدة من صميم اللغة ومرتبطة بخواصها اللغوية أشد ارتباط، وهي تصوير كتابي لمادتها الأصلية وهي الأصوات.
2- مشكلة وضع الأبجديات الجديدة
مشكلة وضع الأبجديات الجديدة تعد تحديًا حقيقيًا لعلماء الأصوات، فهي تتطلب إجراء التجارب المفصلة، والبحوث المعملية الكثيرة، كما يجب أن يراعى عند وضعها أن تمثل النطق تمثيلًا صادقًا قدر المستطاع، والمشهور أن كل الأبجديات المعروفة حتى الآن قد رعي فيها هذا المبدأ بالفعل، ولكن اللغة بمرور الزمن يصيبها التغيير والتطور على حين تبقى الأبجدية على صورتها الأولى دون تغيير عادة، ومن ثم يظهر فيها نوع من القصور، ويظهر هذا القصور في صور عدة، أهمها:
الصورة الأولى: تتمثل في عدم قدرة الأبجدية على تمثيل النطق تمثيلًا صادقًا بسبب التطور الذي يلحق أصوات اللغة على مر الزمن، وأمثلة هذه الحركة كثيرة في لغات مختلفة، ومنها اللغة العربية، وإن كانت ذلك في حدود ضيقة، من ذلك مثلًا كتابة الفتحة الطويلة برمز الياء كما في نحو رمَى، فهذا تصوير مضلل من الناحية الصوتية الصرفة؛ إذ طبيعة الصوت توجب كتابته بالألف أي "رما" مثل "غزا" بالألف.
الصورة الثانية: وجود رموز في هذه الأبجديات دون وجود مقابل صوتي لها في الكلام المنطوق، وهذه الصورة سببها التطور أيضًا في الغالب الأعم، واللغة الإنجليزية مملوءة بأمثلة هذا النوع، وأما في العربية فقليل كما في نحو: رَموا وعمرو، حيث كتبت الألف في نهاية الكلمة والواو في نهاية الثانية دون حاجة صوتية تدعو إلى ذلك، وإنما قصد بها إلى التفريق بين الصيغ المتشابهة في الصور الكتابية، مع اختلافها في القيم الصرفية والنحوية في المعنى كذلك.
أما أهم وجوه القصور في الأبجدية العربية فيتمثل في عدم وجود رموز مستقلة لرسم الحركات القصار، ومازلنا حتى اليوم قانعين بتلك العلامات المعروفة الفتحة والضمة والكسرة للدلالة على هذه الأصوات، وهذه العلامات التقليدية بالرغم من وفائها بالغرض إلى حد ما تمثل قضية لغوية تحتاج إلى دراسة عميقة على مستوى قومي عام.

النشاط:
املأ الفراغ فيما يلي بكلمات مناسبة.
     أ- أصوات ........ وأقصى الحنك كلها أو جلها تمثل مشكلة صوتية أمام الأجانب
     ب- دراسة ......... لها أهمية كبرى في وضع الأبجديات الجديدة
      ج- مشكلة وضع الأبجديات الجديدة تعد تحديًا حقيقيًا........
      د- أهم وجوه القصور في الأبجدية العربية يتمثل في عدم وجود رموز مستقلة لرسم........

الإجابة النموذجية:
أ- الحلق
ب- الأصوات اللغوية
ج- لعلماء الأصوات
د- الحركات القصار



4/2
أهمية علم الأصوات في الجانب النظري ونوع العلاقة بين علم الأصوات والنحو
1- أهمية علم الأصوات في الجانب النظري
إن أية دراسة على مستوًى من مستويات البحث تعتمد في كل خطواتها على نتائج الدراسات الصوتية، وذلك بالطبع أمر يمكن إدراكه إذا عرفنا أن الأصوات هي المظاهر الأولى للأحداث اللغوية، يقول هنري سويد: إن علم الأصوات غير ذي جدوى بذاته، ولكنه في الوقت نفسه أساس كل دراسة لغوية سواء أكانت هذه الدراسة دراسة نظرية أو عملية.
ويؤكد "فيرث" هذا الاتجاه مشيرًا إلى مدى اعتماد المستويات اللغوية المختلفة على دراسة الأصوات، يقول: لا يمكن أن تتم دراسة جادة لعلم المعنى الوصفي لأي لغة منطوقة، ما لم تعتمد هذه الدراسة على قواعد صوتية وأنماط تنغيمية موثوق بها. ففي الصرف مثلا تلعب الظواهر الصوتية دورًا بارزًا في تحديد الوحدات الصرفية وبيان قيمتها، وليست ضرورة اعتماد علم الصرف على علم الأصوات مقصورة على لغة دون أخرى، إن لغات الأرض جميعًا تستوي في هذا الأمر، وإنما يكون الاختلاف بينها في نوع استغلال الحقائق الصوتية في المجال الصرفي، وفي مدى هذا الاستغلال ونتائجه.
فالنبر مثلًا على مستوى الكلمة المفردة يقتصر دوره في اللغة العربية على تمييز الأنماط والأوزان الصرفية، فالفعل الماضي الثلاثي المجرد دائمًا منبور مقطعه الأول، ولكن موقع هذا النبر يختلف بمجرد اتصال هذا الفعل بلاحقة صرفية كما في "ضرب" بنبر المقطع الأول، ولكن "ضربتُ" أو "ضربتْ" يقع النبر على المقطع الثاني.
لقد درج علماء الصرف المتقدمين على أن يقولوا مثلًا أن: "قل" أصلها "قُولْ" أو "قَوْلْ" التقى ساكنان الواو واللام فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فصارت "قل"، وحقيقة الأمر أن "قل" جاءت على هذه الصورة منذ بداية الأمر، ولم يكن من المستطاع أن تأتي بالصورة الثانية في النطق الفعلي؛ لسبب صوتي ظاهر يرتبط بخواص التركيب المقطعي في العربية الفصحى، لقد ثبت بالدراسة أن تركيب المقطعي صامت زائد حركة طويلة زائد صامت تركيب ممتنع في هذه اللغة إلا في حالتين اثنتين وهما: في حالة الوقف، وأن تكون الحركة الطويلة متلوة بمثلين مدغمين من أصل الكلمة نحو: شابَّة ودابَّة. أما ما ذهب إليه هؤلاء الصرفيون فهو عمل افتراضي لا يؤخذ به في الدرس اللغوي الحديث.
وألف الوصل ( مثل ألف القراءة) في العربية ظاهرة صوتية صرفية، وليس من الحكمة دراستها من زاوية دون أخرى؛ إذ ترتبط الجهتان بعضهما ببعض أوثق ارتباط، فهي من الناحية الصوتية ليست أكثر من تحريك خفيف، أو صُويت لجأ إليه المتكلم العربي في بداية الكلمة حيث تمنع طبيعة التركيب المقطعي لهذه اللغة البدء بصوت صامت غير متلوٍ بحركة، ولكن هذه الظاهرة الصوتية مرتبطة بصيغ صرفية لا تتعداها ولا تتجاوز حدودها، وهذه الصيغ الصرفية ذاتها أصبحت تمتاز من غيرها بهذه الخاصة الصوتية التي أصبحت جزءًا من تركيبها الصوتي.
والتنوين كذلك ظاهرة مهمة تستأهل النظر الصوتي العميق قبل أن تعالج من وجهة النظر الصرفية. تلك الوجهة التي عرض لها العرب دون التفات مناسب إلى خواصها الصوتية في النحو وهو قمة البحث اللغوي، وهو الهدف الأساسي الذي يسعى اللغويون إلى تحقيقه عند النظر في اللغة المعينة.
2- نوع العلاقة بين علم الأصوات والنحو
إنه لمن الخطأ أن يهمل النحاة الحقائق الصوتية في إجرائهم بحوثهم وتحليل مادتهم، فهذه المادة بكل بساطة إنما تتألف من عناصر صوتية، وأخرى صرفية، وهذا يعني من الناحية المنهجية ضرورة ربط النحو ربطًا وثيقًا بعلم الأصوات وعلم الصرف.
أما بالنسبة لعلم الصرف فالأول أصبح واضحًا في أذهان الكثيرين من اللغويين الآن حيث يرى هؤلاء أن الصرف لا يعدو أن يكون جزءًا من النحو بمعناه الواسع، أو هو خطوة ممهدة له، وهما معًا يكونان كلًا متكاملًا، يطلق عليه: علم قواعد اللغة، وإذا جاز الفصل بين جانبي هذا الكل فإنما هو فصل تقتضيه ضرورة البحث، أو مناهج التعليم في مراحلها الأولى، ولكن علم الأصوات لم يحظ بهذا الإدراك من لدن عدد كثير من الدارسين، بخاصة أولئك الذين يسيرون على الدرس التقليدي في بحث اللغة، فهؤلاء لم يستطيعوا حتى الآن أن يتبينوا العلاقة الوثيقة بين هذا العلم وبين النحو.
أما المحققون من الدارسين فيرون أن النحو في أساسه مبني على علم الأصوات، ويقررون أن هذا الاعتماد له جوانب وصور شتى؛ من ذلك مثلًا أن "ألكسندر هيوم" يرى أن النحو يبنى على نظام التهجئة أو الأبجدية الجيدة.
أما "بلمر" الإنجليزي فقد بين العلاقة بين علم الأصوات والنحو بوضعه كتابًا بأكمله في قواعد اللغة الإنجليزية المنطوقة على أسس صوتية صرفة، فاللغة ينبغي أن تسجل قواعدها وأحكامها بطريق الكتابة الصوتية، فهي القادرة بحق على تصوير النطق الحي للغة، وهذا بالطبع يتطلب دراسة صوتية سابقة لهذه اللغة.
ولكي نبين صحة هذا الاتجاه وأهميته في درس النحو يكفي أن نلقي هنا بأمثلة قليلة من اللغة العربية حتى نستطيع التعرف على نوع العلاقة بين علم الأصوات والنحو:
الأمر الأول: التفريق بين أنماط الجمل. يفرق عادة بين الجمل الإثباتية والجملة الاستفهامية باحتواء الثانية على أداة استفهام، أو تغيير طفيف في نظمها على حين أن أهم أساس التفريق هو التنغيم أو التلوين الموسيقي الذي يعد جزءًا لا يتجزأ من النطق نفسه، وتستطيع الأذن الخبيرة إدراكه وتذوقه، وهناك العديد من الأمثلة تحتوي على أداة الاستفهام، وهي في الوقت نفسه ليست باستفهام من ذلك مثلًا قوله تعالى: }هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) { الإنسان: 1) فقد قرر المفسرون أن هَلْ هنا معناه "قد" وفسرها بعضهم بأن هل للاستفهام التقريري -أي: الجملة هنا تقريرية- وليست استفهامية، ومعناها بعبارة البلاغيين أن هَلْ خرجت عن أصل معناها الاستفهام، وفيصل الأمر في ذلك إنما هو التنغيم والموسيقى، وهناك على العكس من ذلك أمثلة أخرى تخلو تمامًا من أدوات الاستفهام وهي في حقيقة الأمر جمل استفهامية، يستفاد هذا المعنى من الموسيقى التي صاحبت نطقها، من ذلك ما رآه بعض المفسرين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} (التحريم: من الآية: 1) حيث قرر هؤلاء بأن جملة: تَبْتَغِي جملة استفهامية، وتقدير الكلام "أتبتغي" بحذف الهمزة، والحكم بأنها استفهامية إنما يرجع في حقيقة الأمر إلى تنغيم النطق بصورة توائم الأنماط التنغيمية للجمل الاستفهامية.
الأمر الثاني: تحديد أنماط الجمل والعبارات. مثل: "محمد الصغير" فهذه العبارة دون مراعاة النطق وخواصها الصوتية يمكن تحليلها نحويًا على وجهين، فقد تكون مبتدأ وخبر عندما أقول: "محمد الصغير" وقد تكون مبتدأ وصفة عندما أقول: "محمد الصغير" فإذا ما أخذنا النواحي الصوتية في الاعتبار أمكننا تفريع هذه العبارة إلى نموذجين مختلفين نظمًا وإعرابًا اسم معرفة زائد إمكانية السكت "محمد" سكتة زائد صفة معرفة نغمها "الصغير" اسم معرفة زائد استحالة السكتة صفة معرفة نغمة صاعدة "محمد الصغير" فعلى الأول تكون العبارة "محمد الصغير" جملة من مبتدأ وخبر، وبها تم الكلام، وعلى الثاني تكون العبارة مبتدأ وصفة فقط، إذا قلت مثلًا: "محمد الصغير حضر".
من الطريف أن علماء العربية قد استشعروا هذا التفريق فجوزوا في الحالة الأولى وجود ضمير سموه ضمير الفصل بين جانبي الجملة للفصل بينها وبين الاحتمال الثاني الذي لا يحتمل هذا الضمير. والحق أن استغلال هذه الظواهر الصوتية وأمثالها لذو أهمية بالغة في تحليل المادة النحوية وفي بيان قيم التراكيب ودلالتها، قد يكون من المفيد أن نعمد إلى باب الفصل والوصل في قواعد العربية، وندرس هذا الباب من جديد على أسس صوتية، فلربما يمكننا أو نتمكن وفقًا لهذا الاتجاه من الوصول إلى قواعد أكثر دقة وموضوعية مما نألفه في كتب البلاغة التقليدية، فلقد قالوا مثلًا: إنه يجب الوصل في قول القائل: "لا وأيدك الله" لدفع إيهام خلاف المقصود، والمقصود الدعاء له لا عليه، مع أنه في المثال المذكور نفسه يمكن الاستغناء عن هذه الواو بالوسائل الصوتية، وذلك بأن نتبع أداة النفي بسكتة فتكون جملة بذاتها ثم نعقبها بالجملة الأخرى بدون الواو، ويمكن الإشارة إلى ذلك بالكتابة بوضع نقطة بعد أداة النفي "لا. أيدك الله" هكذا.
الأمر الثالث: توجيه الإعراب. يعمد النحاة من وقت إلى آخر إلى إعراب المثال الواحد بوجوه مختلفة مهملين في أغلب الأحايين ربط هذه الوجوه بظروف الكلام وملابساته ومكتفين بالاعتماد على ما تجوزه قواعد اللغة من احتمالات افتراضية أو عقلية.
ومدار الموضوع يتلخص في حقيقة بسيطة واحدة: إن المثال الواحد في الموقف المعين لا يمكن بحال أن يقبل غير وجه واحد من الإعراب، ذلك الوجه هو ما يقتضيه هذا الموقف وما تتطلبه ملابسات الحال، فإذا ما تعددت وجوه الإعراب كما يفعل النحاة أحيانًا اقتضى ذلك في الحال تعدد المواقف وتعدد المعنى كذلك، وهذا السلوك وهو تطويع المثال الواحد لأكثر من موقف تتغير معه الخواص الصوتية له كما يتضح من الأمثلة الآتية.
النعت المقطوع: ذكر النحاة أن النعت إذا قطع عن المنعوت خرج عن كونه نعتًا اصطلاحيًا، وأصبح جزءًا من جملة أخرى، عدوها جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب، وموقعه إما خبر لمبتدأ محذوف أو مفعول لفعل محذوف، ويمكن موافقة النحاة على أن النعت المقطوع ليس نعتًا اصطلاحيًا، لوجود خاصة صوتية ميزت هذا التركيب وأخرجته من باب النعت، تلك الخاصة هي وجود سكتة بين النعت والمنعوت، أو إمكانية وجود هذه السكتة، فهذه الخاصة الصوتية هي العامل الأساسي الذي جعلنا نخرج النعت المقطوع من باب النعت الاصطلاحي، ذلك لأن من خواص النعت الاصطلاحي: عدم إمكانية السكتة، ومن باب أولى عدم وجودها ألبتة وبين النعت والمنعوت، ويلزم من ذلك أن نخرج إلى حقيقة النعت في أمرين:
الأول: أن النعت المقطوع ليس جزءًا من جملة محذوف جزؤها الآخر إنما هو في رأينا جملة بذاتها، فـ"الكريم" على إرادة قطع النعت في قولنا: "مررت بزيد الكريم" جملة ولكنها جملة ذات طرف واحد. أما كون كلمة "الكريم" في هذا المثال جملة فلأنها وحدة لغوية بها يتم الكلام وما نقرره هنا هو أحد التعريفات الاصطلاحية المقبولة للجملة، ومما يزيد الأمر وضوحًا أن الجمل ذات الطرف الواحد غالبًا ما ترتبط نحويًا بجمل سابقة، بخاصة جمل الاستفهام، وهذا ما نظن أنه الحال في موضوع النعت المقطوع الذي يرجح أنه يذكر جوابًا لسؤال صريح أو متوقع يوجهه السامع إلى المتكلم.
وقد شعر بهذه الحقيقة صاحب (التصريح) الذي يفسر هذا الموقف بقوله: كأن الكلام على تقدير سؤال سائل يقول: من هو؟ أو من تعني؟ فتقول: "مررت بزيد" فالسامع يقول: من هو؟ أو من تعني؟ فيقول المتكلم: "الكريمُ" .
الثاني: انطلاقا من تلك النظرة التي تعتمد الخواص الصوتية في التفريق بين النعت المتبع والنعت المقطوع، هناك مسلك جديد في توجيه إعرابه، فالنعت في الجملة الواحدة طبقًا لهذه النظرة إما تابع فقط، أو مقطوع فقط، وذلك بحسب سياق الحال والمميزات الصوتية لكل صورة، فإذا لم تكن هناك سكتة أو إمكانيتها بين النعت والمنعوت فالنعت واجب الإتباع، وإذا وجدت هذه السكتة أو أمكن وقوعها فالنعت واجب القطع.
النشاط:
اختر الإجابة الصحيحة مما بين القوسين.
أ- علم الأصوات أساس لكل  :           (دراسة لغوية ، توجيه نفسي)
ب- ألف الوصل من الناحية الصوتية ليست أكثر من:      ( حركة طويلة، تحريك خفيف).
ج-  المحققون من الدارسين يرون أن النحو في أساسه مبني على (علم الأصوات، علم النفس)
د- يفرق عادة بين الجمل الإثباتية والجملة الاستفهامية باحتواء الثانية على:    (أدوات الجر، أداة استفهام)
الإجابة النموذجية:
أ-  دراسة لغوية.
ب- تحريك خفيف.
ج- علم الأصوات.
د- أداة استفهام.
ملخص الدرس:
·  تبين لنا أن هناك أربع اتجاهات كلها تثبت أهمية علم الأصوات، وقوة علاقته بعلم اللغة على مستويات عدة
·  من أبرز الأدلة التي تبين مكانة علم الأصوات في الدرس اللغوي، إسهامه في الحفاظ على اللغة القومية، ودعمها بالأدوات التي تمكنها من التطور والنجاح.
·  مكن علم الأصوات اللغويين من تدليل الصعوبات في نطق الحروف، وكذلك تطوير الأبجديات لمواكبة تطور أصوات اللغة.
·  استفاد اللغويون من علم الأصوات في تطوير علم الصرف، وعلم النحو، وذلك باعتماد الخصائص الصوتية في تقعيد القواعد على أسس منطقية سليمة.

تمارين الدرس:
اختر الإجابة الصحيحة مما يأتي:
1- يرى دي سوسير أن الفونيتيك جزءٌ لا يتجزأ من :
     أ- علم اللغة .
     ب- علم الأصوات الوظيفي.
2- الدراسات الصوتية بالرغم من اهتمام الأقدمين بها لم تلق العناية اللائقة بها إلا في أواخر:
     أ- القرن 20 .
     ب- القرن 19.
3- الذين اعتموا بجهود الأوائل في الدراسات الصوتية هم :
      أ- علماء القراآت.
     ب- علماء النحو.
4-   تظهر أهمية علم الأصوات في المجال التطبيقي من خلال:
     أ- تعليم اللغة القومية
     ب- العلوم التجريبية.


الإجابات:
1- أ
2- ب
3- أ
4- أ

مراجع الدرس:
علم الأصوات : كمال بشر.
الخاتمة:
انتهى الدرس الثالث بفضل الله ويليه الدرس الرابع الذي سنتعرف فيه على موقف عدد من المدارس من علم الأصوات، كما نرصد فيه جوانب الصوت اللغوي وغيرها.



Tidak ada komentar: